29.12.12


قضية الصحراء الغربية.. قراءتان متناقضتان لنتائج جولة الوسيط الدولي

عودة المغرب عن قرار مقاطعة كريستوفر روس الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى الصحراء الغربية، واستقبال العاهل المغربي محمد السادس له خلال زيارته للرباط. وزيارته الأولى من نوعها إلى مدينة العيون كبرى محافظات الصحراء الغربية الخاضعة للإدارة المغربية، ومدينتي "المحبس" و"تيفاريتي"، القريبتين من الجدار الأمني على الحدود مع الجزائر، ومخيمات تندوف للاجئين الصحراويين على الأراضي الجزائرية، قوبلت نتائجها بقراءتين مختلفتين من طرفي الصراع، وطرح العديد من الأسئلة إزاء الخطوات القادمة التي سيقوم بها الموفد الدولي.

 روس أكد أن الهدف من جولته تسهيل المفاوضات بين المملكة المغربية وجبهة "البوليساريو" بمساعدة الدوليتين المجاورتين، الجزائر وموريتانيا، للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، يكفل تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، وفي سبيل ذلك، تقييم نتائج خمس سنوات من التفاوض واستقاء الأفكار حول أنجع الطرق لتحقيق تطور حقيقي في مسار المفاوضات، وبحث أثر التطورات الأخيرة على ملف الصحراء الغربية. إلا أن الحكومة المغربية استبقت وصوله إلى الرباط بتجديد اقتراحها إقامة حكم ذاتي موسع تحت سيادتها لإنهاء النزاع، فيما أعادت "البوليساريو" التأكيد على مطالبتها بـ"حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية عبر استفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة"، وتساندها في ذلك الجزائر. وكان الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز قد دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى التدخل لحماية المدنيين الصحراويين ضد نشر السلطات المغربية لأعداد كبيرة من عناصر الشرطة والجيش في مدن الصحراء الغربية.
وفي تقييم نتائج الجولة، قدّم المغرب والبوليساريو قراءتين مختلفتين. مصادر مقربة من الديوان الملكي المغربي قرأت في مقدمات الجولة ونتائجها، وما حمله الموفد الدولي معه من أفكار، أن الوضع تغير بجهد مغربي وصب في صالح وجهة النظر المغربية. وتضيف المصادر: إن روس برهن على ليونة أكبر من السابق، وكان حريصاً على اللقاء مع خبراء وأعضاء من أحزاب الائتلاف الحاكم والمجتمع المدني وأحزاب المعارضة في المغرب، لاستيضاح ملف الصحراء الغربية. لكن المصادر ذاتها نبهت إلى أن "رؤية روس تستند فقط إلى خيار الاستفتاء"، وأن "الرباط سجلت نقطة عندما عبرت عن أنها قد لا توافق على هذا الاقتراح الذي يميل لطرف واحد". كما لفتت المصادر إلى أن "حل النزاع يمر إلى حد كبير عبر الجزائر التي يزداد وزنها الإقليمي مع تحول الوضع في الساحل إلى أولوية دولية".
بالمقابل قدّم ممثل البوليساريو في أوروبا، محمد سيداتي، قراءة مناقضة للقراءة المغربية. سيداتي اعتبر أن تراجع الحكومة المغربية عن قرار "سحب الثقة" من روس، الذي اتخذته في 17 أيار/مايو الماضي، أثبت جدوى الضغوط الدولية التي مورست على الرباط، "وهو ما يعني أن الشعب الصحراوي قد حقق أشياء إيجابية، ومكاسب خاصة، فيما يتعلق بتأكيد المجتمع الدولي على حتمية أن يمر حل تسوية القضية الصحراوية عبر تمكين شعب الصحراء الغربية من ممارسة حقه المشروع في تقرير المصير..". ويعتقد سيداتي أن حقيقة السؤال الذي يجب أن يطرح هو: "ما العمل، وما هي الخطوات القادمة التي سيقوم بها الموفد الدولي، الذي قام بأول زيارة إلى المدن المحتلة والتي تعتبر في حدّ ذاتها أمراً ايجابياً، إضافة إلى مقابلته عدداً من النشطاء الحقوقيين الصحراويين؟".
يجيب سيداتي على السؤال الذي طرحه "إن المطلوب من روس التعجيل أولاً بإيجاد آلية لحماية حقوق الإنسان والتبليغ عنها ومتابعتها في الصحراء الغربية، وهذا مطلب دولي وحقوقي. وثانياً ضرورة الخروج من أزمة الانسداد والتنازل في كل مرة لرغبات المغرب الذي اعتاد على انتهاج سياسة المراوغة أو المناورة التي يبقى هدفها هو تعطيل العملية السلمية. أما المطلب الثالث فيتمثل في استعادة مسار التفاوض المباشر من أجل التوصل إلى وضع آليات تسمح للشعب الصحراوي بتقرير مصيره، والذي يبقى مطلباً آنياً، خاصة وأن النزاع الصحراوي له مضاعفات على مستوى استقرار وتعايش منطقة شمال غرب إفريقيا، التي هي في أمس الحاجة إلى السلم، وذلك لا يمر إلا عبر الرجوع إلى جادة الشرعية الدولية في تسوية القضية الصحراوية".
ويرى سيداتي أن ثمة فرصة كبيرة لنجاح البوليساريو في انتزاع مطالبها "كون المغرب قَبِلَ وسلّم بمأمورية المبعوث الخاص للأمم المتحدة، وقبل بزيارته المناطق المحتلة، فهذا لم يأت من العدم، بل جاء نتيجة ضغوطات دولية مورست على الرباط. وبالتالي فإن المجموعة الدولية مطالبة بالحفاظ على نفس وتيرة الضغط من أجل حمل المغرب على الانصياع للشرعية الدولية".
أما الحكومة المغربية؛ التي وصفت قرارها السابق بـ"سحب الثقة" من روس بأنه ثمرة تقييمها لعمله، حيث خلصت إلى أنه أدى إلى "تآكل مسار المفاوضات غير المباشرة٬ بعد انعقاد تسع جولات من اللقاءات غير الرسمية، وأصبحت المفاوضات حبيسة أمور جزئية"، فإن ما تريده من روس في المرحلة القادمة "التزام الموضوعية والحياد الذي من المفروض أن يتقيد بهما كوسيط في عمليات المفاوضات"، وذلك بناء على تصريحات وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني، والوزير المنتدب في الوزارة يوسف العمراني.
وفي سياق متصل، انتقدت تقييمات محايدة القرار السابق للمغرب بمقاطعة روس، ووصفته بأنه كان خاطئاً أو على الأقل متسرعاً. وشدّدت على أنه "مع ذلك سيبقى من حق الرأي العام المغربي، أن يعرف ما الذي تغير حتى تغير موقف المغرب وتراجع عن قرار سحب ثقته من كريستوفر روس". وتساءلت بعض الجهات عن مصير قضية الصحراء الغربية، في ظل إصرار منظمة الأمم المتحدة على مواقفها المؤيدة لإجراء استفتاء، وما تحصده البوليساريو من مكاسب دبلوماسية في الآونة الأخيرة، واشتداد الحملات الدولية على المغرب لجهة ملف حقوق الإنسان. ومن جملة التقييمات تؤكد الخبيرة في الشأن المغربي خديجة محسن فنان أن ملف الصحراء الغربية يشهد تعريفاً لدور الأمم المتحدة، والشعوب ستصبح شريكة بعد اليوم.  
كما ينصح أصحاب التقييمات المحايدة بانتظار ما سيقوله روس في تقريره المرتقب إلى مجلس الأمن الدولي، والانتباه جيداً للموقف الجزائري، وسط ما يشاع عن صفقة أميركية مع الجزائر، تضغط فيها الولايات المتحدة على المغرب للقبول بخطة الأمم المتحدة لإجراء استفتاء في الصحراء الغربية، مقابل مشاركة الجزائر في عمل عسكري ضد جماعة ''التوحيد والجهاد'' التابعة لـ"تنظيم القاعدة" في شمال مالي.